الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.أسرار الفاتحة: .مبحث للفخر الرازي في الأسرار العقلية المستنبطة من سورة الفاتحة: .المسألة الأولى: أسرار الفاتحة: أما تقرير الجواب الأول ففيه مسائل: .المسألة الأولى: علمنا بوجود الشيء إما أن يكون ضروريًّا أو نظريًّا: ثم فيه لطائف: .اللطيفة الأولى: {العالمين} إشارة إلى كل ما سوى الله: .اللطيفة الثانية: لم لم يقل الله: الحمد لله خالق العالمين: تنبيه: افتقار جميع العالمين مفتقرة إلى الله في حال بقائها: على أن جميع العالمين مفتقرة إليه في حال بقائها، والمقصود أن افتقارها إلى الموجد في حال حدوثها أمر متفق عليه، أما افتقارها إلى المبقي والمربي حال بقائها هو الذي وقع فيه الخلاف فخصه سبحانه بالذكر تنبيهًا على أن كل ما سوى الله فإنه لا يستغنى عنه لا في حال حدوثه ولا في حال بقائه. .اللطيفة الثالثة: تسمية الفاتحة بأم القرآن: تنبيه: افتتاحيات الحمد: على أن كل موجود سواه فإنه دليل على إلهيته. ثم إنه تعالى افتتح سورًا أربعة بعد هذه السورة بقوله: {الحمد للَّهِ} فأولها: سورة الأنعام وهو قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] واعلم أن المذكور هاهنا قسم من أقسام قوله: {رَبّ العالمين} لأن لفظ العالم يتناول كل ما سوى الله، والسموات والأرض والنور والظلمة قسم من أقسام ما سوى الله، فالمذكور في أول سورة الأنعام كأنه قسم من أقسام ما هو مذكور في أول سورة الفاتحة، وأيضًا فالمذكور في أول سورة الأنعام أنه خلق السموات والأرض؛ والمذكور في أول سورة الفاتحة كونه ربًا للعالمين، وقد بينا أنه متى ثبت أن العالم محتاج حال بقائه إلى إبقاء الله كان القول باحتياجه حال حدوثه إلى المحدث أولى، أما لا يلزم من احتياجه إلى المحدث حال حدوثه احتياجه إلى المبقي حال بقائه، فثبت بهذين الوجهين أن المذكور في أول سورة الأنعام يجري مجرى قسم من أقسام ما هو مذكور في أول سورة الفاتحة. وثانيها: سورة الكهف، وهو قوله: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} [الكهف: 1] والمقصود منه تربية الأرواح بالمعارف، فإن الكتاب الذي أنزله على عبده سبب لحصول المكاشفات والمشاهدات، فكان هذا إشارة إلى التربية الروحانية فقط، وقوله في أول سورة الفاتحة: {رَبّ العالمين} إشارة إلى التربية العامة في حق كل العالمين، ويدخل فيه التربية الروحانية للملائكة والإنس والجن والشياطين والتربية الجسمانية الحاصلة في السموات والأرضين، فكان المذكور في أول سورة الكهف نوعًا من أنواع ما ذكره في أول الفاتحة. وثالثها: سورة سبأ، وهو قوله: {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} [سبأ: 1] فبين في أول سورة الأنعام أن السموات والأرض له، وبين في أول سورة سبأ أن الأشياء الحاصلة في السموات والأرض له، وهذا أيضًا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين}. ورابعها: قوله: {الحمد للَّهِ فَاطِرِ السموات والأرض} [فاطر: 1] والمذكور في أول سورة الأنعام كونه خالقًا لها، والخلق هو التقدير، والمذكور في هذه السورة كونة فاطرًا لها ومحدثًا لذواتها، وهذا غير الأول إلا أنه أيضًا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين}. ثم إنه تعالى لما ذكر في سورة الأنعام كونه خالقًا للسموات والأرض ذكر كونه جاعلًا للظلمات والنور، أما في سورة الملائكة فلما ذكر كونه فاطر السموات والأرض ذكر كونه جاعلًا الملائكة رسلًا، ففي سورة الأنعام ذكر بعد تخليق السموات والأرض جعل الأنوار والظلمات وذكر في سورة الملائكة بعد كونه فاطر السموات والأرض جعل الروحانيات، وهذه أسرار عجيبة ولطائف عالية إلا أنها بأسرها تجري مجرى الأنواع الداخلة تحت البحر الأعظم المذكور في قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} فهذا هو التنبيه على أن قوله: {رَبّ العالمين} يجري مجرى ذكر الدليل على وجود الإله القديم. .المسألة الثانية: من صفات الربوبية: .المسألة الثالثة: ذات الله منزهة عن الحلول: .المسألة الرابعة: إله العالم ليس موجبًا بالذات بل هو فاعل مختار: .المسألة الخامسة: إحكام العالم وإتقانه: وأما السؤال الثاني وهو قوله: هب أنه ثبت القول بوجود الإله القادر فلم قلتم إنه يستحق الحمد والثناء؟ والجواب هو قوله: {الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} وتقرير هذا الجواب أن العبد لا يخلو حاله في الدنيا عن أمرين: إما أن يكون في السلامة والسعادة، وإما أن يكون في الألم والفقر والمكاره، فإن كان في السلامة والكرامة فأسباب تلك السلامة وتلك الكرامة لم تحصل إلا بخلق الله وتكوينه وإيجاده، فكان رحمانًا رحيمًا، وإن كان في المكاره والآفات، فتلك المكاره والآفات إما أن تكون من العباد، أو من الله، فإن كانت من العباد فالله سبحانه وتعالى وعد بأنه ينتصف للمظلومين من الظالمين في يوم الدين، وإن كانت من الله فالله تعالى وعد بالثواب الجزيل والفضل الكثير على كل ما أنزله بعباده في الدنيا من المكروهات والمخافات، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أنه لابد وأن يكون مستحقًا للحمد الذي لا نهاية له، والثناء الذي لا غاية له فظهر بالبيان الذي ذكرناه أن قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} مرتب ترتيبًا لا يمكن في العقل وجود كلام أكمل وأفضل منه. واعلم أنه تعالى لما تمم الكلام في الصفات المعتبرة في الربوبية أردفه بالكلام المعتبر في العبودية، واعلم أن الإنسان مركب من جسد، ومن روح، والمقصود من الجسد أن يكون آلة للروح في اكتساب الأشياء النافعة للروح فلا جرم كان أفضل أحوال الجسد أن يكون آتيًا بأعمال تعين الروح على اكتساب السعادات الروحانية الباقية، وتلك الأعمال هي أن يكون الجسد آتيًا بأعمال تدل على تعظيم المعبود وخدمته، وتلك الأعمال هي العبادة، فأحسن أحوال العبد في هذه الدنيا أن يكون مواظبًا على العبادات، وهذه أول درجات سعادة الإنسان، وهو المراد بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فإذا واظب على هذه الدرجة مدة فعند هذا يظهر له شيء من أنوار عالم الغيب، وهو أنه وحده لا يستقل بالإتيان بهذه العبادات والطاعات بل ما لم يحصل له توفيق الله تعالى وإعانته وعصمته فإنه لا يمكنه الإتيان بشيء من العبادات والطاعات، وهذا المقام هو الدرجة الوسطى في الكمالات، وهو المراد من قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ثم إذا تجاوز عن هذا المقام لاح له أن الهداية لا تحصل إلا من الله، وأنوار المكاشفات والتجلي لا تحصل إلا بهداية الله وهو المراد من قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}. وفيه لطائف: .اللطيفة الأولى: المنهج الحق في الاعتقادات وفي الأعمال هو الصراط المستقيم:
|